ثقافة

عندما كنا عظماء|هارون الرشيد

‏” هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه “

 

هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، الخليفة العباسي الخامس. ولد هارون في مدينة الري عام ١٤٩هـ .

يعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرًا حتّى فِي المصَادِر الأجنبِية كالحوليات الألمانية فِي عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون)، والحوليات اليَابانِية والصِينية التي ذكرته باسم (الون)، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أنّ أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولا سيّما كتاب “ألف ليلة و ليلة” التي صورته بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلاّ اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات. والواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ. وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة.

 

نشأته:

تربى الرشيد مع أولاد الأمراء والقادة في الدولة العباسية،وفي عام ١٥١هـ وبعد وفاة جعفر الابن الأكبر للخليفة أبو جعفر المنصور عادت أسر المهدي إلى بغداد، وقد أصبح المهدي وليًا للعهد. وعاش الرشيد طفولة هادئة ومستقرة في ظلّ رعاية والده وجده، و تولى تعليمه الكثير من كبار العلماء.

في عام ١٥٨هـ توفي أبو جعفر المنصور وأصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع بأبنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال.

عندما أصبح هارون شابًا يافعًا، عينه والده قائدًا في الجيش الذي يضم العديد من قادة الكبار وأمراء الدولة، وكان عمر هارون وقتها لا يتجاوز الخمس عشر عامًا، وخرج الجيش عام ١٦٣هـ إلى أراضي الروم وتوغل فيها وأظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها “سمالوا” ثمانية وثلاثين يومًا حتى انتهى الأمر بفتحها، وعاد الرشيد بالجيش سالمًا محملًا بالغنائم، فاستقبله أهل بغداد وكافأه المهدي بتوليته بلاد أذريبجان أرمينية.

 

أرسله والده المهدي لقيادة جيش آخر لغزو الروم، مكون من 95,793 رجل. وصل جنود الرشيد خليج البحر المطل على  القسطنطينية،وكانت حاكمتهم يومئذ أيرين، وهي وصية العرش لابنها قنسطنطين البالغ من العمر تسع سنوات، فطلبت الصلح من الرشيد، بعد أن رأت القتل في الروم، على أن تدفع له سبعين ألف دينار كل سنة، فقبل ذلك منها وأرسلت معه الهدايا لوالده الخليفة المهدي وتعاهدت مع الرشيد على هدنة ثلاث سنين. 

عاد هارون من تلك الغزوة إلى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه وأطلق عليه لقب الرشيد، وأخذ له البيعة كولي للعهد بعد أخيه الأكبر موسى الهادي، فأصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني.

 

خلافته:

بويع الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي ١٧٠/٣/١٤هـ وكان عمر الرشيد وقتها اثنتين وعشرين سنة،وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة، تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلسي،معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة.

بتوّلي الرشيد الحكم، بدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية، ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.

 

أعماله:

  •  أنشأ ما يعرف ببيت الحكمة في بغداد وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.

  • * كما تمت في عهده أول ترجمة إلى العربية لأشهر كتاب علمي عرف في التاريخ وهو “كتاب الأصول (الأركان) في الهندسة والعدد لإقليدس.
  • أنشئ في عهده أول مصنع للورق ببغداد سنة 795 م.
  •  تطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية. 

  •  اهتم هارون الرشيد بالإصلاحات الداخلية، فبنى المساجد الكبيرة والقصور الفخمة، وفي عهده استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد.
  • اعتنى الرشيد أيضًا بالزراعة ومؤسسة نظامها، فبنت حكومته الجسور والقناطر الكبيرة، وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الأنهار، وأسس ديوانًا خاصًا للإشراف على تنفيذ تلك الأعمال الإصلاحية.
  • تشجيع التبادل التجاري بين الولايات وحراسة طرق التجارة بين المدن، وقد شيّد مدينة الواقفة قرب مدينة الرقة على ضفاف الفرات لتكون مقرًا صيفيًا لحكمه.
  • أنشأ هارون الرشيد أكبر مستشفى في عصره ، سماها باسمه “مستشفى الرشيد” في بغداد ، ضمت في كادرها أمهر الأطباء، وكانت أشهر مستشفى في العالم القديم.

الفتن:

ظهرت طائفة الخوارج أثناء القتال الذي جرى بين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، واستمر خروج هذه الطائفة على خلفاء بني أمية وبني العباس، لكنهم لم يكونوا بالخطورة التي كانوا عليها في العصور السابقة أثناء عصر الرشيد لذلك سهل على الرشيد القضاء على ثوراتهم.

عقدت إيرين ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة 181 هـ، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم نقفور الأول، الذي خلف إيرين في سنة 186 هـ، وكتب إلى هارون: 

“من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة إيرين التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (القلعة في الشطرنج)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (الجندي في الشطرنج)، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أمثالها إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وأفتدِ نفسك بما يقع به المبادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك”.

فلما قرأ هارون هذه الرسالة غضب غضبًا شديدًا ورد عليها برسالة مماثلة قال فيها: 

“من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام”. خرج هارون الرشيد على رأس جيش كبير بلغ تعداده 135 ألفًا،و توغل في آسيا الصغرى حتى وصل هرقلة عاصمة كورة بيثينيا فحاصرها واستولى عليها عنوة سنة 806 م،و هزمت جيوش البيزنطيين ودمرت حصونهم، واضطر الإمبراطور نقفور أن يتناسى خطابه ويعترف بهزيمته ويتعهد بدفع الجزية من جديد.

اهتمامه بالعلم و العلماء:

كان الرشيد مثقفا ثقافة عربية واسعة وكان يملك أدبًا رفيعًا وتذوقًا للشعر، لذلك قيل: كان فهم الرشيد فهم العلماء. وكانت مجالسه تملأ الشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء والموسيقيين، وكان كثيرًا ما يناقش العلماء والأدباء، كذلك كان ينقد الشعر والشعراء. كان يقول: “البلاغة، التباعد عن الإطالة، والتقرب من معنى البغية، والدلالة بالقليل على المعنى”

وفاته:

كان الرشيد في أواخر أيامه وحيدًا حزينًا يخفي علته عن الناس، إذ يؤثر عنه أنه كشف عن بطنه لأحد أصدقائه فاذا عليها عصابة من حرير ثم قال له: “هذه علة اكتمها عن الناس كلهم وكل واحد من ولدي علي رقيب، وما منهم أحد إلا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري” و اشتدت العلة بالرشيد وهو في طريقه إلى خراسان للقضاء على ثورة رافع ابن الليث وتوفي بمدينة طوس (مشهد الحالية في شمال شرق إيران) ودفن بها في جمادي الآخر في سنة ١٩٣هـ.

أنتهى..

 

    4 1 صوت
    تقييم المقالة
    إدعموني بالنقر على الإعلان الأخضر

    مقالات ذات صلة

    إشتراك
    نبّهني عن
    guest
    9 تعليقات
    الأكثر تصويتاً
    الأحدث الأقدم
    آراء مضمنة
    شاهد جميع التعليقات
    Blind trust?
    Blind trust?
    3 سنوات

    ?????

    Layan
    3 سنوات

    يعطيك العافية ?

    Moshi
    Moshi
    3 سنوات

    ثانكيووووووووووووووو

    NooR
    NooR
    3 سنوات

    شكرا ?

    Mdream
    Mdream
    3 سنوات

    ??????

    M-BLUEZZ
    3 سنوات

    للاسف الكل يحاول يشوه صورته بهاذي الايام ويظهرونه باسوا شكل لازم نعرف تاريخنا صح وندافع عنه ?????

    Rima Alhusainat
    3 سنوات

    يعطيك العافية

    Sh.M.O
    Sh.M.O
    3 سنوات

    اريد اعيش في زمنه ?????

    Rawabi
    Rawabi
    3 سنوات

    يعطيك الف عافيه

    شاهد أيضاً
    إغلاق
    زر الذهاب إلى الأعلى